يعيش الإنسان خلال رحلته في هذه الحياة مواقف كثيرة، ويمر فيها بالعديد من التجارب التي من شأنها أن تثقله وتجعله في تطور مستمر وملحوظ مع مرور الوقت، فمن الطفولة إلى المراهقة إلى الشباب خلال خذه الفترة الزمنية التي قد تتمثل ما بين عقدين إلى ثلاثة عقود من عمر الإنسان يحاول فيها البحث عن ذاته، وتتغير فيها مواقفه وآرائه بمنتهى البساطة وكأن له العديد من الشخصيات وليس شخصية واحدة.
وهذا أمر طبيعي وصحي إلى حدٍ كبير، لأن هذه الفترة الزمنية هي التي تبني الإنسان، وقد تكمل نتائجها معه بقية العمر.
معضلة سفينة ثيثيوس هي واحدة من المعضلات الفلسفية التي تعددت الآراء والمواقف حيالها، وهي باختصار قصة أسطورية تتحدث عن بطل يدعى ثيثيوس ذهب في مهمة لمحاربة قوى الشر في البحر.
لم يتوقع أحد له النجاة لكنّه نجى فتم تخليده وسفينته كأسطورة للانتصار، ومع مرور الوقت بدأت ألواح السفينة تتآكل، ولأنّها أصبحت مقدسة في الأسطورة بدأت مراحل ترميمها، فمع كل لوح يتلف من ألواح السفينة يتم استبداله إلى أن تم استبدال جميع ألواح السفينة.
ومن هنا جاءت المعضلة هل هذه هي سفينة ثيثيوس أم أنّها لم تعد ذلك السفينة؟
ولو اعتبرنا أنّها لم تعد ذلك السفينة، ففي أيّ مرحلة تم ذلك؟ هل مع أول لوح تم استبداله أم مع آخر لوح من ألواح السفينة؟
ولو تم إسقاط ذلك المعضلة على الإنسان وعلى طريقة تفكيره، فمن الممكن أن نجد شخص يتخذ موقف ثم يتراجع عنه، أو حتّى يتبنى نقيضه بعد فترة من الزمن، ففي أي واحدة من هذه المواقف كان يتمثل موقفه الحقيقي؟
وضع علماء النفس عدة تفاسير لهذه المعضلة الفكرية الفلسفية، ونجدهم اختلفوا في تبني هذه المعضلة من عدة اتجاهات.
في رأيي المتواضع لو اعتبرنا أنّ كل موقف يتبناه الإنسان ويستمر معه فترة من الزمن يمثل شخصية، فكل هذه الشخصيات مجموعهم يمثل الإنسان، ولو تساءلنا ماذا بالنسبة للتناقضات؟!
الحياة مليئة بالتناقضات، وهذا أمر طبيعي وعلى الإنسان أن يكون صريح مع نفسه دائماً بهذا الجانب، فلا يسقط أو يتهرب من تغيير رأيه عندما يتضح له أنه مخطئ أو أنّ التعنت الذي كان لديه اتجاه أمر معين قد زال، فالحياة كفيلة بأن تفاجئنا دوماً.
يقودنا التطور في شخصيتنا خلال فترةٍ من زمنٍ إلى شخصية أخرى مناهضة إلى حدٍ كبير للشخصية الأولى، لكنها بكل تأكيد أكثر حكمة ومعرفة.
الحكمة الحقيقية التي تكتمل ببلوغ الإنسان سن الأربعين التي قال الله_ عز وجل _ عنها:
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَى وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
عندها يزاد تريث الإنسان وتتغير نظرته لكثيرٍ من الأمور الحياتية، ويدرك الحكمة الربانية التي أنعمها الله _ عز وجل _عليه.